فرنسا في مواجهة أزمة سياسية تاريخية تهدد استقرارها الاقتصادي

0
8

أزمة سياسية غير مسبوقة تضرب فرنسا

تشهد فرنسا واحدة من أعمق الأزمات السياسية في تاريخ الجمهورية الخامسة، حيث دخلت البلاد فترة من عدم الاستقرار السياسي غير المسبوقة بعد الانتخابات التشريعية الفرنسية عام 2024. هذه الأزمة لها تداعيات خطيرة ليس فقط على فرنسا كثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، بل على استقرار القارة الأوروبية بأكملها في وقت حاسم.

تكمن أهمية هذا الموضوع في كونه يمثل تحولاً كبيراً في النظام السياسي الفرنسي الذي اعتاد على الاستقرار لعقود. السبب الهيكلي لعدم الاستقرار السياسي المستمر هو التشرذم العميق في البرلمان الفرنسي منذ عام 2022، مما يجعل من الصعب تشكيل حكومة قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة.

سقوط حكومة بارنييه وتداعياته

في تطور درامي، تم إسقاط الحكومة في 4 ديسمبر بعد استخدامها للمادة 49.3 من الدستور الفرنسي من أجل تمرير مشروع قانون تمويل الخدمات الاجتماعية دون تصويت برلماني، عبر اقتراح بحجب الثقة؛ وكانت هذه أول حكومة تواجه هذا المصير منذ عام 1962. انضم 331 نائباً من اليسار واليمين المتطرف في تحالف أنهى قيادة بارنييه.

الوضع الحالي يعكس برلماناً معلقاً مقسماً إلى ثلاثة كتل متعارضة، كل منها غير قادر على الحصول على أغلبية: تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري (180 مقعداً من أصل 577)، وتحالف إنسامبل الوسطي لماكرون (159 مقعداً)، والتجمع الوطني اليميني المتطرف (142 مقعداً). هذا الانقسام الثلاثي يجعل من شبه المستحيل تشكيل حكومة مستقرة.

التحديات الاقتصادية والمالية

تواجه فرنسا تحديات اقتصادية خطيرة في ظل هذه الأزمة السياسية. خفض العجز من نسبته المفرطة البالغة 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 إلى 5% في عام 2025، ثم إنشاء مسار مستدام للأمام، يتطلب زيادات ضريبية غير شعبية وتخفيضات في الإنفاق.

وقد كان لهذه الأزمة تأثير مباشر على أسواق المال، حيث تجاوز العائد على السندات الحكومية الفرنسية لأجل 10 سنوات لفترة وجيزة مثيله في اليونان، البلد الذي واجه أزمة ديون مدمرة قبل عقد من الزمن. كما أن وكالة التصنيف موديز خفضت في ديسمبر التصنيف الائتماني لفرنسا من “Aa3” من “Aa2” وسط ضغوط على الوضع المالي المتوتر لباريس.

الآفاق المستقبلية والخلاصة

تعيين فرانسوا بايرو رئيساً للوزراء في 13 ديسمبر من قبل ماكرون لم يحل الأزمة، بل إنها أزمة غير مسبوقة بنتيجة لا يمكن التنبؤ بها. الضغط من أجل استقالة ماكرون في تزايد، رغم أنه أعلن عزمه البقاء في منصبه حتى عام 2027.

الدرس الأساسي من هذه الأزمة هو أن هذا التشرذم تفاقم بسبب غياب ثقافة التسوية السياسية في فرنسا. بالنسبة للمواطنين الفرنسيين والعالم، تمثل هذه الأزمة تحدياً كبيراً لاستقرار أحد أهم الاقتصادات الأوروبية، مع تداعيات محتملة على الاتحاد الأوروبي بأكمله في وقت يواجه فيه تحديات جيوسياسية واقتصادية متعددة.

التعليقات مغلقة